الصحف العربية

السفير : انكشاف أكثر شبكات الأنفاق تعقيداً .. والأنظار تتجه إلى جوبر

تريّث الجيش السوري حتى مساء أمس لإعلان سيطرته التامة على بلدة المليحة في ريف دمشق، بعد 130 يوماً من القتال، وذلك بعد ساعات على انتشار الخبر إعلامياً.

وجاء تريث الجيش بسبب تعقيدات تمشيط شبكات الأنفاق العنكبوتية، وحجم التفخيخ الذي طال الأبنية السكنية، التي ظلت حتى اللحظات الأخيرة بمثابة مواقع لقناصة المسلحين قبل فرارهم.

واستبقت وسائل إعلام موالية بيان قيادة الجيش في إعلانها خبر سيطرة تحالف القوى بين الجيش ومقاتلي “حزب الله” على المليحة، فيما كان التلفزيون الرسمي يعلن أن تقدماً نوعياً قد حصل في البلدة، في إشارة إلى نجاح تكتيك الجيش في إجبار المسلحين، وأبرزهم من “جيش الإسلام” و”جبهة النصرة”، على الانسحاب عبر ممر وحيد تركه بطول 300 متر، ويقود إلى عمق الغوطة الشرقية، وتحديداً إلى بلدتي جسرين وزبدين.

ويبدو أن حذر الجيش كان في مكانه، إذ انفجر مبنى بعد ساعات على إعلان قنوات إعلامية انتهاء العملية في البلدة. وكان المبنى من ضمن عشرات المباني التي تخضع للتمشيط، وأدّى انهياره إلى مقتل جنديين على الأقل من وحدات الهندسة وتفكيك الألغام.

انكشاف-أكثر-شبكات-الأنفاق-تعقيداً

كما لم ينته الجيش من الكشف عن شبكات الأنفاق الملغّمة تحت الأرض. وتعتبر الأنفاق التي رصدت في المليحة من أعقد الشبكات التي تمّ التعاطي معها في الحرب السورية. واعترف العديد من القادة الميدانيين في الجيش بعدم تعاطيهم مع تركيب مماثل، رغم الخبرة التي اكتسبت في هذا الميدان. وتشبه تعقيدات الوضع اللوجستي في المليحة ما هي عليه الحال في جوبر وداريا، حيث تدور حرب أنفاق متبادلة بين الجيش والمسلحين أيضاً.

ولاحقاً أعلنت القيادة العسكرية خبر السيطرة على المليحة. وقال متحدث باسم قيادة الجيش، في بيان، أنه تمّت “إعادة الأمن والاستقرار إلى المليحة والمزارع المحيطة بها في الغوطة الشرقية بريف دمشق، بعد سلسلة من العمليات النوعية الحاسمة، قضت فيها قوات الجيش على أعداد كبيرة من الإرهابيين التكفيريين المرتزقة الذين تحصنوا في المدينة واتخذوا منها مقراً لأعمالهم الإرهابية”.

وأوضح “انه بالسيطرة على المليحة يكون الجيش السوري قد ضيّق الخناق على ما تبقى من بؤر إرهابية في الغوطة الشرقية، وأمّن قاعدة ارتكاز وانطلاق للإجهاز عليها”.

وفي رسالة واضحة نحو إمكانية تحقيق تسويات في مناطق الغوطة الأخرى، وجّه البيان النداء إلى “كل من غُرّر به إلى إلقاء السلاح، والاستفادة من مراسيم العفو الصادرة والمساهمة في الدفاع عن الوطن”.

ووفقاً لمصادر إعلامية محلية، فقد تمكن حوالى 500 مسلح من الانسحاب باتجاه عمق الغوطة الشرقية، فيما تداول نشطاء مقتل ما بين 100 و150 مقاتلاً خلال محاولة الانسحاب، جلّهم من تنظيمات “أجناد الشام” و”جبهة النصرة” و”جيش الإسلام”.

ولم تتوقف الغارات الجوية أمس، والتي استهدف بعضها مواقع انسحاب المسلحين حول البلدة وبعضها أبنية ضمنها. وسجّل أكثر من 12 غارة حتى ظهر أمس، فيما تجاوز عدد الغارات الجوية في اليومين الماضيين 40 غارة، استهدف بعضها مواقع تحصّن المقاتلين في أحد الأحياء السكنية شمالي البلدة، وأيضاً بالقرب من مجمع “تاميكو” للأدوية ومعمل المطاط، وهي نقطة تلاقي أنفاق عسكرية، وأبرز المواقع التي فر إليها المنسحبون.

واتبع الجيش أسلوب الحصار الذي تصاحبه كثافة نيران جوية وصاروخية عالية، مصاحباً مع تقدم بري حذر وصل أمس الأول شارع أحمد الحمصي شمال البلدة، موسعاً دائرة تواجده إلى مركزها وأطرافها. كما تمكن من نشر قوات برية في محيط تجمع الأبنية الشمالية، بعد تمشيطه ما يقارب 90 بناء منها أمس. وأكد الجيش ثقته بتقدّمه، بتقارير تلفزيونية نظمتها إدارة التوجيه الحربي التي رافقت قواته ظهر أمس، كما نفذ الطيران الحربي طلعات “احتفالية” على ارتفاع منخفض في سماء البلدة.

وكان الجيش أنبأ بقدرته على الحسم النهائي بعد تطويق البلدة، إثر فشل المسلحين في الحفاظ على الثغرة التي فتحوها في الحصار الأسبوع الماضي، ولا سيما بسيطرته على معمل آسيا الذي تمركزت فيه المجموعات المسلحة لفترة زمنية طويلة، وعبوره الشارع 16 داخل البلدة.

وكانت “جبهة النصرة” تبنت تفجيراً انتحارياً بعربة “بي ام بي” مدرعة، محملة بطنّ من المتفجرات على حاجز للجيش على الأطراف الجنوبية للمليحة، ما أدّى الى مقتل 30 شخصاً تقريباً، وسمح للمقاتلين بإدخال إمدادات لمدة محدودة قبل أن يتمكن الجيش من إقفال المنفذ وإحكام الحصار مجدداً.

واستفاد الجيش من طول مدة حصاره التي امتدت لثلاثة أشهر تقريباً، لتمشيط المزارع والبساتين المحيطة بالبلدة، ولا سيما تلك الممتدة بينها وبين بلدتي شبعا وزبدين، التي عبر باتجاهها بعض من نجا من المقاتلين.

وسيقود النجاح في السيطرة على المليحة، في دفع بعض الآمال نحو تحقيق تسويات في البلدات المجاورة، إن تمكن مَن بقي من سكانها في إقناع الوحدات المقاتلة الموجودة فيها “بالانسحاب الطوعي أو قبول تسوية مع الجيش”، علماً أن ثمة ضغوطاً داخلية في هذا الاتجاه، على أمل تفادي معركة جديدة، خصوصاً بالنظر إلى الدمار شبه الشامل الذي أصاب المليحة.

كما من المتوقع أن ينخفض عدد قذائف الهاون التي تسقط منذ عام ونصف العام تقريباً على بلدة جرمانا، المتاخمة للمليحة. وأمس تحدثت مصادر عن تقدم الجيش في منطقة عين ترما المتاخمة لجوبر، كمؤشر جديد على رفع مستوى الضغط على عين ترما، التي تعدّ بدورها أحد أهم مراكز القصف الصاروخي على دمشق من دون الإشارة إلى قذائف الهاون.

وسيعني الحشد باتجاه عين ترما، واستئناف المعارك البرية هناك، أن الهدف هو استكمال تحرير جوبر، بما تشكله من خطر على دمشق هي الأخرى.

وبالفعل تواترت أنباء الاشتباكات بين وحدات من الجيش السوري والمسلحين من “جبهة النصرة” و”جيش الإسلام” على محور بناء بركات في جوبر، إضافة إلى تمكن الجيش من تدمير أبنية عدة على أطراف البلدة بعد حفر أنفاق تحتها وتفخيخها، في محاولة لقطع طرق الإمداد اللوجستي القائمة بينها وبين مدينة دوما، معقل أكبر التجمّعات الإسلامية المقاتلة في الغوطة، وأبرزها “جيش الإسلام” الذي يقوده زهران علوش.

واتهم مغردون إسلاميون ومعارضون من سورية وخارجها القيادي المثير للجدل علوش “ببيع البلدة” للنظام، كما اتهمته مواقع قريبة من تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – “داعش” بـ”الخيانة”، ساخرة من ادعاءاته بـ”نقص الذخيرة” حين يقاتل ضد النظام، وكررت اتهامه كما جرت العادة بكونه “عميلاً للسعودية ودول الخليج”، متوعّدة بالمواجهة معه.

من جهته نفى كل من “جيش الإسلام” و”الجيش الحر” الاعتراف بالهزيمة. وغرد ناشطون عنهما أن وحدات الطرفين “انسحبت تكتيكياً من بعض النقاط في البلدة” فقط، متوعداً “بالعودة”.

سيريان تلغراف | السفير

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock