مقالات وآراء

وجهان لاستراتيجية شرٍّ واحدة .. بقلم يحيى محمد ركاج

إن نزعة الأنا كانت ولا زالت هي السائدة لدى العرق البشري على مر العصور ضمن مسلماته الشخصية بأن عرقه أو جنسه أو نوعه هو المتفوق على الأخر في مفاضلة أنا وهو، نحن وهم، الأمر الذي يدفع الإنسان إلى التعامل مع المختلفين معه على أنهم من جنس أدنى من جنسه البشري، وأنه صاحب الفضل والحق والسلطان، فيتجسد سلوكه أحياناً كثيرة في الإقصاء والإبادة والتهجير والتنكيل سلوكاً يراه طبيعياً في تحقيق الأهداف الخفية قبل المعلنة، وهو ما تجسد في صراع القوى الراغبة في السيطرة على الأرض لأهداف متنوعة ومختلفة على مر العصور، وكان أقربها إلى الأذهان الصراع الأمريكي اليوم مع شعوب العالم الحرة للسيطرة عليها، وهو الصراع المنبثق عن صراعات سابقة بين القطبين والذي حاول العالم بمجمله التكيف مع حربهما الباردة وهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي. فإذا كنا نسلم ببعض المواقف السوفيتية السابقة في المحافل الدولية ودعمها لعدم الانحياز وتبنيها لبعض مواقف الشعوب المظلومة، وهو الأسلوب الذي ورثته روسيا في هذه الأيام بدفاعها عن الشرعية الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، فإننا لم نجد ما يوازي هذا الإجراء -على أقل تقدير إن لم أكن مخطئاً- في مواقف الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيسها، حتى أن العدالة الإنسانية التي تسوقها الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت، فإنها تسقط أمام اعتبارها من أبرز المحرضين للحكم العراقي آنذاك على دخول الكويت، وهي أيضاً من أبرز المحرضين على اللجوء إلى العسكرة في تعاطيه مع إيران، ولا يختلف هذا الأمر بين واجهتا الحكم الواحد والهدف الواحد الجمهوريين والديمقراطيين. ولعل ما تشهده هذه الأيام من تنافس بين الاثنين على تنفيذ أهدافهما الخبيثة تحت ستار الحرب بينهما ليس إلا تأكيداً جديداً على نظام حزب الشر الواحد الذي يحكم الولايات المتحدة الأمريكية وإن اختلفت الستارة.

فخسارة الرئيس الأمريكي لمقاعد داعميه في الكونغرس لا تعتبر خسارة لأهدافه وطموحاته بقدر ما هي تغيير للأداة التنفيذية التي تقود الأمور في العالم، خاصة إبان فشله في تحقيق المكاسب القصوى للولايات المتحدة الأمريكية في حربها المعلنة مع القوى الصاعدة في العالم والراغبة في اقتسام السيطرة على العالم معها، والتي تجسدت بادئ ذي بدء في خسارة الولايات المتحدة الأمريكية أمام روسيا في منع الأخيرة من الوصول إلى المياه الدافئة، ومن ثم عقود استثمار ثروات منطقة المتوسط، وصولاً إلى عدم المقدرة على تنفيذ خط غاز نابوكو بالشكل الذي كانت ترغبه رغم نجاحها في إبطاء أو إخراج خط الغاز الروسي المقابل له من المنافسة. حتى أن المكاسب التي كان من المفترض أن يحققها أوباما من الأداة التنفيذية (داع ش) لم تلبِّ الطموح الأمريكي ،لنجد أن منافسة أوباما وحليفته السابقة أيضاً تفضح هذه الأداة قبل شعور فصيل أوباما بالخطر من خسارته الكبيرة للمقاعد بالكونغرس.

ومن جهة أخرى فإن الأدوات الجديدة لتحقيق الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة ليست أقل قذارة من الأدوات الحالية، ولعلي أستشف رائحتها النتنة من تأييد الـ “نتن ياهو” لها ومعارضته لسابقتها، الأمر الذي تؤيده تقاطعات بعض الحراكات العالمية خاصة تلك المرتبطة بدول المنطقة، كالحراك الديموغرافي السوري باتجاه أبعد نقطة ممكنة عن الجغرافيا السورية، ثم حقن المورفين المسكنة للشعب السوري الجريح من قبل الحكومات المستثمرة لدمائه بحجج الاستضافة واللجوء، بالإضافة إلى استثمار الدماء السورية في مناطق الجذب القريبة من الجغرافيا السورية بالاقتتال المذهبي والطائفي.

إن خسارة الديمقراطيين أو الجمهوريين أحدهما لصالح الأخر تعني تبديل الأدوات التنفيذية لسياسة الشر الأمريكية بالنسبة لنا نحن العرب عموماً وبالنسبة للشعبين السوري والفلسطيني على وجه الخصوص، ولا ينبغي لأحد أن يتوهم بأن حقن المورفين التي تطلقها بعض الدول من احتضان للمهجرين السوريين أو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني هي الشفاء الناجع أو المؤقت لمرض العضال الذي تعاني منه الأمة ما لم يعقبها عمل مستدام، أو دفعة كبيرة من الإنجاز العملي على الأرض. وهو لن يتحقق إلا بحرب نقررها نحن ونحدد توقيتها نحن، لنستطيع بعدها فقط بأن نفتخر بأننا عرب.

سيريان تلغراف | د. يحيى محمد ركاج

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock