بلدنا اليوم

الجبهة الاسلامية تنفجر من الداخل

يبدو انّ شهر العسل المسمى “جبهةٍ إسلاميةٍ” والنجم الذي واكبها متحالفة، إقترب من الأفول بعد الصراعات الميدانية التي أخذت شكلاً مسلحاً خطيراً في الأيام الماضية بين كتائب الحلف الاساسية.

التدهور الدراماتيكي في سياق العلاقة بين أركان “الجبهة” التي شُكّلت بدعمٍ سعوديٍ واضح، بدأ فعلياً منذ أشهرٍ عقب إنقلاب القيادات التابعة للفصائل الأساسية رأساً على عقب، والتي شملتها إما التغييرات بفعل إنشقاقاتٍ او موت، وإما بفعل عمليات إغتيال، كما جرى مع حركة أحرار الشام، حيث انّ هذه التغييرات نتج عنها قيادةً أخرى، بعقليةٍ أخرى، نتج عنها هي الأخرى، إختلافاً جوهرياً في تقدير الأمور والمصالح والغاية من الأحلاف، مترافقة مع غاياتٍ شخصيةٍ حباً بالبروز أو أمارة الحرب.

الجبهة-الاسلامية-تنفجر-من-الداخل

شكّل ضلعا “الجبهة الإسلامية”، “جيش الإسلام” بقيادة زهران علوش، و “أحرار الشام” بقيادة “أبو عبدالله الحموي” (حسّان عبّود)، العمود الفقري للحلف الإسلامي الذي صّنف “معتدلاً” على الرغم من إنتماء الطرفين لـ “السلفية الجهادية” وبوتيرة أعلى “أحرار الشام” شقيقة القاعدة في سوريا. وعلى الرغم من ولاءات الطرفين بين السعودية (علوش) وقطر (عبود)، ظلّت العلاقة بينهما تتمتّع بتنسيقٍ وتحالفٍ صلب، ذلك مبني على علاقة الرجلين ببعضهما، العلاقة التي نسجت خيوطها الأولى في سجن “صيدنايا” يوما كانا معتقلين من قبل النظام السوري، وخرجا “أمراء إرهابيين برتبة” بالاضافة إلى آخر وهو “الشيخ عيسى” الذرع الثالثة لـ “الجبهة” مؤسس “صقور الشام” الذي شاركهما العلاقة المتينة، وأسسوا كلٍ على حدى جماعات مسلحة توحّدت لاحقاً تحت أسم “الجبهة”.

نجم العلاقة الصلبة بين “إسلامية جيش علوش” و “شامية جيش عبّود” يأخذ بالافول، نتيجة إغتيال القيادة الأساسية لـ “أحرار الشام” على راسها “الحموي”، ما ترتب عنها تغييراً جوهرياً في القيادة التي إستلمها ثلّة من الشباب الغير متقن لفنون القيادة، حيث يحاول هؤلاء التمايز عن باقي التنظيمات الحليفة وغير الحليفة. التصدّع الأول في جدار التحالف إذاً كان مع الإغتيال الجماعي، امّ التصدّع الثاني فتمثل بالاختلاف الجوهري الذي ظهر بين الطرفين خصوصاً في الميدان العسكري. ففي حين ذهبت “أحرار الشام” منفردةً لقتال الجيش السوري في عمليةٍ عسكريةٍ في حلب تحت أسم “زئير الأحرار”، آثر “جيش الإسلام” الإبتعاد عن ذلك دعماً وإمداداً، ليس بسبب “حبه” للجيش السوري بل للإيقاع بـ “أحرار الشام” إنتقاماً، التي خرجت عن شورى “الجبهة” مقرّرة الدخول في معركةٍ وحيدةٍ دون تنسيق، هدفها البروز على حساب الحلفاء، ما أسهم بفشلها لاحقاً بشكلٍ واضح، توازياً مع قرار “جيش الإسلام” المضي قدماً بمعركة إلى جانب “جبهة النصرة” و “أنصار الدين” في حلب، على بعد حجر من عملية “أحرار الشام”.

التطور هذا، كان المدماك الأول في سياق إبتعاد الطرفين عن بعضهما بعد شهر العسل الذي تلاصق كليهما مع بعضه في أي عملية كان تحصل. ما عزّز هذا الإبتعاد، محاولة “أحرار الشام” التمايز ايضاً ضمن صف “الجبهة” حيث تشير مصادر خاصة لـ “الحدث نيوز” مطلعة على نشاط الحركات “الجهادية”، ان “الحركة” كان تعارض في كل إجتماع للقيادة الموحدة تحضره، (إن حضرت) كل عملٍ عسكري، ما فاقم الصراعات وحالة التجاذب الداخلي.

الوضع الشاذ هذا، لم يتأخر لينفجر ميدانياً بين الطرفين، حيث كان المسرح معبر “باب الهوى” الفاصل بين الاراضي السورية وتركيا في ريف إدلب. إنفجر صراع الطرفين بعد ان قرّر “جيش الإسلام” إستلام زمام الأمور على المعبر من “أحرار الشام” التي تحصد مغانم ومكاسب مغارة “علي بابا” وحيدة بعد مقتل قيادتها دون إشراك “الجبهة” في قضم ما تيّسر، حيث أدى ذلك إلى إجتياح المعبر عسكرياً وطرد عناصر “الحركة” وقياداتها منه، مع سقوط عشرات القتلى بينهما. كان هذا الأمر بمثابة إنذارٍ واضحٍ من قبل “علوش” للقيادة الجديدة.

وعلمت مصادر، انّه سبق عملية الإجتياح، تحذير مذيّل بتوقيع “الجبهة” تفيد الحركة أنها فوضت “جيش الإسلام” إدارة شؤون المعبر معها طالبة منها تسهيل الأمر وإشراكه كونه يتقاسم السيطرة معها على المنطقة بإدارة شؤون المعبر، لكنها أبت ذلك وتجاهلت الرسالة حتى وصل الأمر إلى الإحتكاك العسكري. وعلم ايضاً ان زعيم “صقور الشام” الشيخ عيسى” كان موافقاً على مضمون تفويض “جيش الإسلام”.

وتشير المصادر المواكبة لحركة التنظيمات الجهادية في سوريا ، ان معبر “باب الهوى” فضلاً عن دوره في سياق التدخل التركي المساند للمسلحين عدةً وعتاداً، يتمتّع بدورٍ إقتصاديٍ هام، حيث يوصف كأنه “مغارة علي بابا” نظراً للمردود المادي الصادر منه. فبحسب المعلومات، تتقاضى الجهة المسيطرة عليه مبلغ 200$ عن كل سيارة تمر عبره. وإذا قدرنا مثلاً انّ عدد السيارات التي تمرّ في اليوم 50، فإن نتاج المعبر في اليوم 10.000 (عشرة آلاف دولار أمريكي)، اي بإجمالي 300.000 (ثلاثمائة آلف دولار أمريكي) في الشهر، وهو مبلغُ عالي بالنسبة إلى من يُسيطر.

صراع “الحركة” و “الجيش” ليس مالياً فقط، ولا ميدانياً ايضاً، ولا حتى تنظيمياً حصراً، بل يتعداه إلى الدور الإقليمي، فعلى الرغم من إنصهار “علوش” و “عبود” وتزاوج تنظيميهما في ظل دعم السعودية للاول وقطر للثاني في ذروة الصراع بين الدولتين، فإن هذا التزاوج لم يعد يصلح اليوم بفضل إنقلاب المشهد القيادي وذهاب “صمام الأمان” الذي كان يُسيطر على الأمور، فبات التنظيمات حالياً يتحركان كلما تحرّكت العلاقة بين السعودية وقطر سلباً، وباتا المعبران عن هدوء العلاقة وعن إنفجارها عبر الميدان والعسكرة.

في ظل هذا التدهور في العلاقة، يرى مراقبون انّ مسألة تشظّي “الجبهة الإسلامية” المبنية على الإنفجار الداخلي باتت مسألة وقت، وأن “الجبهة” التي لطالما تغنّى بها الغرب ودعمها لتكون البديل عن “دولة داعش”، لم تعد مستقرة من الداخل، اي لم تعد صالحة للحكم، وباتت إطاراً يترجم كفة الصراعات الاقليمية وحركتها، وان تشظيها بات قريباً، حيث ستتفكّك أجزاءٌ اساسيةٌ منها لتصبح معادية للاخرى، ما سيقلّص من حجمها ودورها المعطى لها والمكلفة به، ذلك يأتي ضمن ترتيبات المصالح الدولية – الإقليمية المستجدة، وفي كلتا الحالتين فإن “جيش الإسلام” لن يخسر الكثير وسيخرج منتصراً كونه القوة الأكبر والأضخم في “الجبهة”، ولن يتأثر دعمه السعودي، لكن سلطة “علّوش” في السيطرة على الكتائب الإسلامية الأخرى ستتأثر.

سيريان تلغراف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock