مقالات وآراء

في الغارة الصهيونية على سورية .. بقلم يحيى محمد ركاج

لقد وصلت الحرب على سورية منذ بضعة أشهر إلى مرحلة خطيرة جداً، تتجلى خطورتها باعتراف العالم بقوة الدولة السورية وصمودها وتهيئة الشعوب الغربية من أجل إعلان انتصار سورية في لحظات تكاد تكون وشيكة جداً، وفي الوقت نفسه لا يزال العمل حثيثاً بالباطن من أجل تدمير سورية وإبادة صمودهاـ فتحضيرات الحرب قد اكتملت خلال السنوات الماضية من عمر العدوان ووصلت ذروتها بما يجعل العالم أيضاً مهيأ بين لحظة وأخرى لإعلان الحرب. فقرار التسوية وإعلان انتصار سورية بحرب أو بدون حرب قد كُتبت مسودته في أروقة التحالفات الدولية فمتى يظهر للعلن، ، وهل يتبدل هذا الإعلان، ومن صاحب الكلمة الفصل به.

إن هذه المقاربات الغريبة تجعل من التناقضات التي يحملها أي حراك في المنطقة موضع الكثير من التساؤلات، أبرزها ما يتعلق بالنتيجة المحسومة لأي حراك وهو النصر السوري، ثم التدخل المباشر للكيان الصهيوني في هذه المرحلة من عمر الحرب على سورية.

الحدود-مع-فلسطين-المحتلة

فالدولة السورية دولة مؤسساتية –بغض النظر عما يشوب الفكر أو العمل المؤسساتي فيها من ضبابية وفساد بعض الشيء- والفعل المنطقي لها، بعد مضي هذه السنوات الشاقة من عمر العدوان الإرهابي على سورية وتدمير ما تم تدميره من بنية تحتية مادية وبشرية، وتغيير اسراتيجية المواجهة للجيش من حرب لمواجهة الكيان إلى مجموعات لمواجهة الإرهاب الذي تتعرض له، هو العمل على تأسيس قوي لمرحلة إعادة البناء والإعمار، دون الدخول في أية مواجهة مع أي طرف باعتبار أن الإرهاب الذي تعاني منه إرهاباً معولماً يقوم على مفهوم الجنسية الافتراضية للفكر المتطرف المحكوم من قبل دولة الشركات الأمنية الأنجلوسسكونية الصهيونية، خاصة أن هذه الشركات استطاعت نقل المعركة إلى أبعد نقطة ممكنة عن أرضها، وخارج نطاق مصالحها نوعاً ما، وإن أية محاولة لنقل الحرب من قبل سورية إلى مناطق الحماية القومية لها -رغم تواجد مصالح الحكومات الداعمة للإرهاب في هذه الدول- سوف يقود إلى تدمير منطقة شرق المتوسط بالكامل ومن ثم الوصول إلى آثار حرب عالمية مدمرة لن يكون ضحيتها سوى سكان هذه المنطقة فقط دون الأطراف العالمية المتصارعة، ودون خسائر تذكر للكيان الصهيوني، لذلك فإن استمرار الجيش العربي السوري في الضرب بيد من حديد على الإرهابيين الوافدين لسورية منذ مدة طويلة، سوف يقود إلى هروب هؤلاء الإرهابيين من جهنم التي حضرها لهم الجيش السوري، خاصة في المناطق الحدودية المتصلة بدول الجوار كديرالزور ومعركة مطارها ومعارك درعا، الأمر الذي سوف يدفعهم نتيجة منعهم من دخول بلدانهم الأوروبية إلى النشاط في الدول التي ترعى مصالح من دفعهم للقتال في سورية، وبذلك تتحمل الدول الداعمة للإرهاب في سورية تبعات دعمها له دون تحمل شعوب المنطقة التكلفة الأكبر.

أما الدخول في حرب معلنة ومباشرة مع سورية فإن ذلك سوف يدفع الدول المعتدية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وقلة من حلفائها -الذين يتجرؤون على مواجهة حلف المقاومة بالكامل مدعوماً وبشكل علني ومباشر من الدب الروسي الذي استطاع إلى الآن إدارة معركة الأمم بنجاح- إلى حرب بلا هوادة مع التحالفات الدولية الرافضة لفكرة تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بحكم العالم، خاصة أن مناورة خفض أسعار النفط والطاقة لا تعتبر سوى خسارة جولة بالنسبة للدب الروسي مقارنة بمكاسبه عندما يعلن المواجهة المباشرة مع الدولار وتقييم معادل القيمة المقابلة له.

أما ما يتعلق بالتدخل المباشر للكيان الصهيوني في هذه المرحلة تحديداً بعد تدخلات سابقة، فذلك يدخل في عدة اعتبارات مجتمعة تقوم على تكامل الهدف والغاية رغم تعارض سيناريوهاتها، تتجلى:

–           في سعيه إلى الهروب نحو الأمام بتعجيل التسوية بناء على ما حققه له الإرهابيون من مكاسب جغرافية ولوجستية يعتبرها هامة، على اعتبار أن استنزاف الجيش العربي السوري الآن في أوجه وهو يدرك أنه ليس بإمكان الدول المعتدية إطالة أمد العدوان كثيراً وفق هذه الطريقة من الحرب.

–           لدفع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها إلى كبح اندفاع المصالح الروسية نحو العلاقات مع سورية كرد فعل حربي لعدوان التحالف الداعم للإرهاب ضدها وضد المصالح الروسية في المنطقة، وذلك من خلال جرها إلى حرب تأتي بعدها تسوية مباشرة أو تكون بداية جديدة لإعادة الكيان الصهيوني لرسم تحالفاته الدولية من جديد.

–           من أجل تقديم دعم لوجستي للإرهابيين الذين باتوا يقضون تحت ضربات الجيش العربي السوري، وأصبح تأثيرهم في استنزاف القدرات العسكرية السورية محدوداً جداً.

–           من أجل دفع المقاومة اللبنانية إلى رد فعل قد يورطها بإشعال الداخل اللبناني ضد تحالفاتها السياسية في فترة هندسة الأوضاع السياسية في لبنان، ويؤجج الهجوم عليها في المحافل الدولية العالمية بما ينسجم مع عزف جوقة العملاء للمشروع الصهيوني في المنطقة في هذه الأيام.

–           في إدارة حرب نفسية جديدة موجهة للداخل السوري تُظهر الجيش العربي السوري عاجزاً عن الرد على الغارات الصهيونية بالأسلوب العسكري المباشر لانشغال قطعاته المقاتلة في حرب الجماعات الإرهابية ذات الأولوية في المواجهة في هذه الفترة.

إن طبول الحرب في المنطقة قد قرعت منذ سنوات وتحديداً منذ إعلان سورية لاتفاقيات ربط البحار الخمسة وصولاً إلى أبعد من ذلك، لذلك فإن الحراك الذي تشهده المنطقة بين الفينة والأخرى ضمن أحداث الربيع المزعوم ليس إلا محاولة لتحديد موعد طلقة البداية في هذه الحرب. أما النهاية لنا في مثل هذه الحروب قد باتت معروفة جيداً في ضوء تحالفات حلف المقاومة، فقد دفعنا ثمن الهزيمة عبر ما تم تدميره، والآن لم يبقى لنا سوى ثمن النصر، فنحن لم ولن نفكر في دولة ضعيفة يوماً ما في سورية.

سيريان تلغراف | د. يحيى محمد ركاج

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock