بلدنا اليوم

من مقاتلة الإرهاب الى مكافحته .. معالم المرحلة القادمة في سورية

لكل مرحلة من مراحل الصراع عناوينها ومسارها التي تدل عليها، وقد لا يكون الكلام عن الإنتقال من مرحلة قتال الإرهاب الى مرحلة مكافحته شعبياً مع إستمرار المعارك العسكرية بين الجيش العربي السوري والجماعات الإرهابية المسلّحة، إلّا أنّ الأمر يندرج في سياق المؤشرات الإستراتيجية لشكل وطبيعة المعركة في مراحلها القادمة

والحديث عن الأمر يرتبط بعرض التطورات الميدانية المتسارعة التي أرست موازين قوى لمصلحة الجيش العربي السوري أصبح تغييرها ضرباً من الخيال، حيث بات واضحاً أنّ الجماعات الإرهابية المسلّحة تعيش مرحلة الإنهيار بسبب ضربات الجيش العربي السوري من جهة والتناحر المستمر فيما بينها من جهة أخرى.

من-مقاتلة-الإرهاب-الى-مكافحته

أمر آخر لا بد من الإشارة اليه وهو فشل الجماعات الإرهابية في تحقيق إنتصارات ذات معنى وقيمة على اي جبهة من جبهات القتال مقابل وتيرة من الإنتصارات يحققها الجيش العربي السوري منذ حوالي السنة ونصف السنة وهي المرحلة التي اسميتها سابقاً مرحلة الهجوم المضاد، والتي لا تزال مستمرة بزخم كبير قد يتباطأ احياناً ولكنه يتّصف بالثبات والحزم.

فمنذ معركة باب عمرو في حمص وصولاً الى مخيم حندرات اليوم لا تزال وحدات الجيش العربي السوري تقوم بتنفيذ مهمات نوعية ضمن خطة شاملة لإعادة بسط سيطرتها على كامل الأرض السورية.

ومنذ تلك المعركة يمكننا القول إنّ الجيش العربي السوري يسيطر على الثقل الإستراتيجي للدولة الذي يتضمن غالبية المدن الكبرى وشبكة المواصلات التي تربطها من طرقات ومطارات وموانئ.

وهنا لا بد من الإشارة الى مسألة في غاية الأهمية تروج لها وسائل الإعلام المعادية وأعني بها رسوم السيطرة على الجغرافيا حيث تجهد هذه الوسائل على تصوير الأمر بغير أبعاده الحقيقية، فسيطرة داعش على 36% من الجغرافيا وباقي الجماعات الإرهابية على 30% وسيطرة الدولة على باقي المساحة لا يعني ابداً رجوح كفة السيطرة لصالح هذه الجماعات، ففي الحروب لا بد من النظر الى عوامل السيطرة الأخرى بشكل جدي، إضافةً الى أنّ الجغرافيا الواسعة التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية اصبحت عبئاً عليها حيث تجبر هذه المساحات الواسعة الجماعات الإرهابية على تشتيت قواتها لتأمين استمرار السيطرة وهذا ما تعجز عن القيام به بسبب حاجة هذه الجغرافيا لأضعاف مضاعفة من القوى البشرية التي لا تملكها هذه الجماعات، بينما يستطيع الجيش العربي السوري من خلال التعاون الوثيق والدائم بين سلاح الطيران وسلاحي المدرعات والمدفعية من القيام بما يلزم من عمليات البحث والملاحقة والتدمير للموارد البشرية والتسليحية لهذه الجماعات.

واستناداً الى نتائج المعارك الدائرة يبدو واضحاً أنّ سيطرة الجيش العربي السوري على الجغرافيا الفاعلة بات كبيراً، وأعني بالجغرافيا الفاعلة المدن الكبرى ومحيطها المباشر وما يربط بينها من شبكة المواصلات المؤمنة بشكل كبير، كما تؤكد الإحصائيات أنّ اكثر من 73% من السوريين الذين ما زالوا في سوريا يعيشون في مناطق سيطرة الدولة.

وفي عرض سريع لنسب سيطرة الدولة السورية على الجغرافيا الفاعلة نرى أنّ السيطرة في دمشق وغوطتها وصل الى 85% بينما وصلت النسبة في حلب وأريافها الى 65% و 80% في حماه وريفها والى 90% في اللاذقية وريفها و55% في المنطقة الجنوبية (درعا والقنيطرة) و100 % في السويداء، بينما تنخفض السيطرة في المنطقة الشرقية الى حوالي 20% (الحسكة، الرقة، ودير الزور والبوكمال) وهي نسبة آيلة للتغير بسبب التقدم الجدي في الميدان لصالح الجيش العربي السوري وخصوصاً في الحسكة ودير الزور التي تشهد بدايات معركة الهجوم المضاد خصوصاً بعد بدء عشيرة الشعيطات بالإنضمام الى صفوف الجيش ومباشرة أبنائها القتال الى جانب الجيش.

وبحسب مسار ووتيرة المعارك الحالية ودون الدخول في تحديد مواقيت محددة لارتباط الأمر بمتغيرات تكتيكية يمكن أن تحصل، فإنّ حسم المعارك الكبرى لا يبدو بعيداً وهو ما تحاول الدول التي خططت وشاركت في الهجمة على سورية منعه عبر طرح خطط تجميد القتال التي تتضمن تفاصيل شيطانية كثيرة تسمح بقيام أمر واقع يفرض الجماعات الإرهابية كعامل سيطرة بحماية الأمم المتحدة سيستخدم كعامل ضغط على الدولة السورية.

هذا الأمر الذي تتنبه له الدولة في سورية وتتعامل معه بحذر شديد لا يمكن أن يحصل أبداً بسبب تنبه أجهزة الدولة للأمر واستمرار الجيش بعملياته العسكرية والتي لن تنتظر أية مبادرات مشبوهة مهما كانت عناوينها جميلة ومعسولة.

وبانتهاء المعارك العسكرية الكبرى التي تحدد بعض المصادر المطلعة أنها ستنتهي في نهاية الربيع القادم، فإنّ مرحلة جديدة ستبدأ في سورية وهي ملاحقة فلول الإرهابيين الذين سيلجأون الى أماكن يمكن أن تشكل لهم ملاذات آمنة في سورية وكذلك في لبنان الذي سيكون مرشحاً اكثر من غيره لوفود هذه الفلول، وهذا ما يعني في مكان ما أنه على الأجهزة الأمنية اللبنانية أن تعيد قراءة الموقف الحالي وتستعد لمواجهة الأمر ضمن معايير وشروط تؤمن للبنان أعلى مستوى من الحصانة والأمان.

في سورية سيكون الأمر مختلفاً حيث تستعد الأجهزة المختصة منذ الآن لمواكبة طبيعة المرحلة القادمة بإجراءات تسمح بتقصير فترة القضاء على فلول الجماعات.

في موازاة هذه المرحلة ستشهد سورية نقلة نوعية في عملية إعادة الإعمار ومحاربة الفساد الذي باتت الدولة السورية تصنفه كعدو يوازي في خطره خطر الكيان الصهيوني والإرهاب بكل صوره وأشكاله وخصوصًا بيئته الأساسية وهي الأيديولوجيا التي ستوضع في مواجهتها طاقات هامة واساسية سواء كانت اعلامية او فكرية او حتى دينية تمثل الإسلام المعتدل الذي يخاطب الفطرة البشرية وليس الغرائز.

سورية إذن وعلى خلاف كل التوقعات والتنبؤات التي تطلقها ابواق الفتنة ستكون على موعد في السنتين القادمتين لإعادة ترسيخ معالمها التاريخية والإجتماعية والإقتصادية لتأكيد النصر العسكري الذي بات قاب قوسين أو ادنى من التحقق.

سيريان تلغراف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock