تلغراف

من هو حكيم الزمان الذي سيصنع التسوية الإقليمية التاريخية ؟؟

المشهد الإقليمي  سوداوي. لا حلول مرتقبة، ولا تسويات مطروحة. عواصم العالم تمضي تدريجياً بإتفاقيات تاريخية بين طهران وواشنطن،

او بين الأميركيين والكوبيين، والتلويح بمشروع مصالحة على خط فنزويلا-الولايات المتحدة، ولم يعد مستبعداً ان تتوّج واشنطن مشاريعها التسووية بتقارب محتمل مع كوريا الشمالية. بالمقابل ينزلق الشرق الى نزاعات مفتوحة لا حدود لها.

من-هو-حكيم-الزمان-الذي-سيصنع-التسوية-الإقليمية-التاريخية

منذ ثماني سنوات نشر المفكر العربي الدكتور كمال خلف الطويل بحثاً موسعاً بعنوان “كي تقوم للشرق قائمة”، نادى فيه بحلف تحت مسمى “عتف” أي عرب-ترك-فرس. الاستشراف المبكر أثبت صحته. لو تشكّل الحلف آنذاك لكان جنب الشرق كارثة يلج اليها. اليوم يُستنزف الشرق بصراع حاد بين تلك القوى: السعودية ضد حلفاء طهران في سوريا واليمن والعراق، بينما تركيا ضد حلفاء السعودية في مصر وفي الوقت نفسه ضد حلفاء ايران في سوريا. سباق مصالح و نفوذ دموي يُترجم الآن في سوريا واليمن بشكل أساسي ويجر معه المنطقة نحو المجهول.

كل فريق يجهد للانتصار في معارك لا رابح فيها. يظن كل طرف انه سيكسب. لكن الوقائع تؤكد خسارة الجميع دون استثناء. ماذا حققت السعودية في سوريا؟ ماذا حققت تركيا في مصر؟ ماذا كسبت ايران في اليمن؟ ماذا حققوا جميعهم في العراق؟

أين مصلحة الرياض بإسقاط دمشق؟ هل تعتقد السعودية انها قادرة على التحكم بسوريا في حال نجحت بالإطاحة بالنظام؟ ببساطة ان “الدواعش” هم المستفيدون من اي تغيير سوري. فرضية إسقاط القيادة الحالية تعني تقديم سوريا على طبق لتطرف يمتد من العراق الى سيناء مصر حيث يقاتل رفاق “الدواعش” الجيش المصري-الحليف للرياض، الى ليبيا التي يتواجه “دواعشها” مع قوات عسكرية وعشائر حليفة للسعودية، ما يعني ان المضي بالحرب السورية هو خدمة لتنظيمات متفرعة عن “داعش” تمتد على مساحات دول عربية وتهدد حكماً المملكة.

أين مصلحة الرياض بخوض المعركة في اليمن؟ وايضا اين مصلحة طهران بأن “يتمرّغ أنف السعودية” هناك؟

أظهرت الوقائع الميدانية في الايام الماضية ان الانتصار في الحرب اليمنية وهم. لن تحرز “عاصفة الحزم” تغييرا استراتيجياً، وقد تكون العملية البرية ان حصلت اكثر كارثية وسوءاً للتقدير. لن يبقى في ذهن اليمنيين مستقبلا الا الحقد على جيرانهم نتيجة التدمير الذي طال مؤسسات ومراكز واسقط ضحايا وولّد كوارث وأعاد اليمن الى عهد “الإمامة” خدماتياً. بالمقابل قد يحقق اليمنيون انجازاً هنا وصموداً أوتقدماً على الحدود. لكن ماذا يعني ذلك؟ اين يُترجم في المشهد؟ هل يحل الأزمة ويفرض حلولاً؟

لن يحتج الشعب في المملكة على الحرب ولن يشعر بتكاليفها المادية ولا بخسائرها البشرية. ومن يعتقد ان السعوديين سيعترضون على قرارات قيادتهم في هذه الحرب فهو مخطئ. “عاصفة الحزم” ولّدت التفافا شعبياً سعودياً حول القيادات الجديدة في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز. أساساً أحداث الاعوام الماضية و”المذهبة” القائمة فرضت واقعا خطيراً ازاء نظرة المواطنين السعوديين الى الايرانيين وحلفائهم. لو افترضنا ان هناك من يبني على سقوط العائلة الحاكمة في المملكة، فمن قال ان البديل أفضل؟! عندها سيصل الأكثر تطرفاً وسلبية متفرعة عن الحالة “الداعشية”. اين مصلحة طهران في ذلك؟ لا مكان لـ”الصحوة الاسلامية” التي تحدثت عنها الجمهورية الاسلامية. الفتنة إستُحضرت طيلة السنوات الماضية وشُحنت النفوس مذهبياً، الى حد لم تعد تحتمله المنطقة، وصارت التسوية مطلوبة قبل الانفجار الكبير.

ما ثبتته السنوات الأربع الماضية ترسخ. لا مكان للرمادية الآن.  التموضعات الحادة تخندقت، ولم يعد أمراً مجدياً محاولة تغيير المواقف او التحالفات او قناعات الجماهير. المطلوب مصالحة تاريخية بين تلك التموضعات.

توسعت الحرائق وباتت تهدد الاخضر واليابس في المشرق. لا اطفائي ظهر يعمل بجدية. تركيا التي تخوض الحرب ضد سوريا فضلت في الايام الماضية التوجه نحو الوسطية والحياد في الحرب غير المباشرة بين السعودية وإيران.  لتركيا مصلحة بإنهاك الطرفين وخصوصا المملكة. لم تغير انقره موقفها من القيادة المصرية الحالية التي تتهمها بالإنقلاب ضد سلطة “شرعية” اي “الاخوان المسلمين”. تستفيد تركيا من إضعاف السعودية الداعمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اولا، و طمعاً بسرقة نفوذ إسلامي على حساب الرياض. تستفيد أيضاً من إضعاف موقف ايران في المنطقة لتوظف النتيجة في سوريا. من هنا تبدو تركيا تستعد لتحرك تسووي في الشكل وتتفرغ لمراقبة نتائج الاشتباك في الجوهر.

أمام كل الوقائع الخطيرة. الموت يوسع دائرته ليحصد مزيداً من ابناء الشرق ضحية الحسابات والتطرف والمصالح. لا يبقى الا ان تنتفض الشعوب، وهذا مستحيل في ظل تدجينها “المذهبي”. في النهاية لا حلول الا بالتسوية. الأمل بأن يخرج حكماء في هذا الزمن لترويج مبادرة بين العواصم تحت عنوان: لا غالب ولا مغلوب. لا يمكن للحكماء الا أن يكونوا من اصحاب الحل والربط والتأثير يقفزون فوق المتاريس ويروجون سياسيا وجماهيرياً. ينطلقون بأن احدا لا يمكنه ان يلغي أحدا، لا سورياً ولا عراقياً او يمنياً.

من يكون حكيم الزمان ومتى؟ انها مسؤولية امام الله والإنسان والتاريخ.

سيريان تلغراف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock