مقالات وآراء

الثائر العالمي باراك حسين أوباما

عقب التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، عقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤتمرا صحفيا في البيت الأبيض ليعلن فيه وجهة نظر إدارته في هذا الاتفاق وتداعياته على دول المنطقة.

 الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما ركز على الجهود الرامية لمواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي، مؤكدا على أنها تسير فى الاتجاه الصحيح، وأنه قد تم احتواء التنظيم الإرهابي بصورة كبيرة، ثم خصص جزءا لا بأس به من “إنجازاته الجبارة” في سوريا والعراق، إذ قال إنه قد تم بدء عملية لتسوية الأزمة السورية التى خلقت حالة من الفوضى استفادت منها التنظيمات الإرهابية لإقامة ملاذ لها، وإن الجهود تسعى حاليا ليس فقط للتصدى لتنظيم داعش في العراق بل أيضا إلى خلق بيئة تسمح بتعزيز التعاون بين كل الطوائف العراقية بصورة فاعلة.

الثائر-العالمي-باراك-حسين-أوباما

وفي ما يتعلق بتداعيات الاتفاق النووي مع إيران، قال الرئيس الأمريكي، إن هناك حوارا مستمرا مع كل شركاء الولايات المتحدة في المنطقة من أجل دعم مختلف الشراكات الأمنية وتوفير ضمانات أمنية إضافية لمساعدة دول المنطقة في مواجهة أي تهديدات محتملة، من بينها التهديدات الإيرانية. وأشار في الوقت نفسه إلى أنه يتم حاليا متابعة تنفيذ ما اتفق عليه مع دول الخليج خلال قمة كامب ديفيد.

وفي نهاية المطاف، وصل أوباما الذي ارتدى ثوبا ثوريا، إلى أنه ليس من مهام الرئيس الأمريكي حل مشاكل الشرق الأوسط، وإنما هي مهمة دول تلك المنطقة، مشددا على ضرورة بذل المزيد من الجهود على المدى الطويل لمواجهة مشاكل الشباب فى منطقة الشرق الأوسط من خلال توفير فرص عمل ورؤية أفضل حتى لا تجذبه الأفكار المتشددة الخاصة بالتنظيمات العنيفة مثل تنظيم “داعش”.

تصريحات الرئيس الأمريكي أعلاه تنقسم إلى ثلاثة أقسام في غاية الأهمية والخطورة. فهو يتحدث عن سوريا والعراق، وكأنه يتحدث عن دول في مجرة أخرى، أو في كوكب آخر، لا يمكن لوسائل الإعلام والكاميرات أن تصل إليها وتعرض ما يجري فيها. فالأزمة السورية هي السبب في انتعاش وانتشار تنظيم “داعش” الإرهابي، وكأن التاريخ يبدأ من الأزمة السورية، وما قبلها كان مجرد عدم أو فراغ سياسي واستخباراتي. ثم ينعطف أوباما إلى العراق “الذي ينعم بديمقراطية خلاقة”، مشيرا إلى أن المسألة لا تقتصر فقط على مواجهة “داعش”، بل وأيضا خلق بيئة تسمح بتعزيز التعاون بين مختلف الطوائف. فأي بيئة يمكن خلقها بعد أن تم تقسيم العراق عمليا إلى مناطق طائفية وعرقية، بل ويجري الحديث أحيانا حول تزويد هذه المجموعة العرقية أو تلك بالأسلحة؟! عن أي بيئة يتحدث الرئيس باراك حسين أوباما، بينما تناقش إدارته منح هذه المجموعة الطائفية أو تلك مساعدات؟!

هل فعلا، بدأ “داعش” من سوريا، أو انتعش وانتشر على خلفية الأزمة السورية؟! أم العكس هو الذي حدث على أرض الواقع، وليس في سوريا الوهمية التي في ذهن أوباما والتي يريد لها أن تكون كما في تصوره وتصور إدارته وأجهزة استخباراته؟! هل كانت واشنطن بعيدة، عن نشوء “داعش” وانتعاشه وانتشاره، وهي القريبة من الهواتف الخاصة للرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية، بل والأقرب إلى كل الوثائق السرية في خزنات فرنسا وألمانيا وغيرها من الدول الحليفة جدا للولايات المتحدة؟ هل كانت واشنطن بعيدة عن داعش، مثلما كانت بعيدة عن “طالبان” و”القاعدة”؟!

ينتقل الرئيس أوباما إلى دعم الشراكات الأمنية مع الحلفاء في المنطقة لمواجهة التهديدات الإرهابية، بما فيها الإيرانية. هذا التصريح يدلي به الرئيس الأمريكي بعد ساعات من إعلان التوصل لاتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي. وفي الوقت نفسه، يدعوها للمشاركة في مكافحة الإرهاب!! ثم يبدأ بمغازلة الدول الغاضبة مثل إسرائيل، والقلقة مثل السعودية وغيرها من دول الخليج. عن أي تطمينات وشراكات يمكن الحديث، والإدارة الأمريكية تواصل العمل بنفس المعايير المزدوجة مع الإرهاب، كما مع قضايا أخرى كثيرة، فتغمض عينها تارة عن هذه الجماعة أو المنظمة لأنها “جماعة مسلحة” فقط، أو “منظمة دينية معتدلة تمارس العنف” فقط وليس لها علاقة بالإرهاب، وتتجاهل تارة أخرى حقوق الإنسان وقمع الحريات في هذه الدولة أو تلك طالما أنها حليفة وصديقة وتلبي المواصفات المطلوبة!

ويصل الرئيس الثائر باراك حسين أوباما إلى قمة ثوريته في النقطة الثالثة، بتوجيه انتقادات وإدانات مباشرة وواضحة وصريحة إلى نفس تلك الدول التي كانت منذ وقت قليل حليفة وصديقة، مشيرا إلى أنه ليس من مهام الرئيس الأمريكي حل مشاكل دول الشرق الأوسط. ما يعني ببساطة، ضرورة أن تلبي كل متطلبات واشنطن، وفي الوقت نفسه عليها أن تحل مشاكلها وأزماتها الناجمة عن تلبية هذه المتطلبات.

ويذهب أوباما في طريقه الثوري إلى ضرورة مواجهة مشاكل الشباب في منطقة الشرق الأوسط من خلال توفير فرص عمل ورؤية أفضل، وكأن توفير فرص العمل والرؤى الأفضل ليس لها أي علاقة مع شروط قروضه ومساعداته، وشروط مؤسساته الأمريكية، بل والدولية أيضا مثل البنك الدولي وصناديقه الكثيرة.

ولكن عن أي شباب يتحدث أوباما؟ عن كل الشباب من كل الاتجاهات السياسية والفكرية، أم عن شباب محدد يراه السيناريو الأمريكي ممثلا للقوى “الدينية المعتدلة” و”الإسلام الديمقراطي الجديد”، إذ يبدو أن الإدارة الأمريكية لم تعد ترى ملاذا لها إلا السيناريوهات الدينية والمذهبية والطائفية لتحقيق مصالحها؟! وما هو سر تمسك الإدارة الأمريكية بتلك التصنيفات الدينية “المثيرة للسخرية” بتقسيم المعارضات إلى “معارضة مسلحة” و”معارضة متشددة” و”معارضة متطرفة” و”إرهاب”؟!

إن الرئيس المؤمن، والثائر الأول في العالم باراك حسين أوباما أصبح يرى فجأة أن سياسات الدول الحليفة في الشرق الأوسط هي سبب البلاء، وكأن هذه السياسات بدأت فقط قبيل تصريحاته بساعات قليلة، وأن هذه السياسات لم تكن موجودة قبل ومنذ أسست واشنطن “طالبان” و”القاعدة”، ووجهت عداءها إلى كل ما هو متعلق بنهوض تلك الدول، وأغرقتها بالديون والشروط والفوضى ودللت أنظمتها وأحاطتها بالرعاية والأمن!

اليوم تنقلب واشنطن على حلفائها، وفي الوقت نفسه ليس لديها أي نية لتغيير سياساتها التوسعية وتسلطها على اقتصادات الدول والمجتمعات الأخرى. ومع ذلك، فتلك الإدارة تسمح لنفسها بممارسة الخداع السياسي والاجتماعي والمتاجرة بآلام البشر التي نتجت بالدرجة الأولى عن سياساتها وسياسات الأنظمة التابعة لها أو المتحالفة معها، والتي بدأت واشنطن في الإعراض عنها أو استبدالها.

سيريان تلغراف | أشرف الصباغ – RT

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock