تلغراف

جوكر الموساد الذي هوى !

يرى مئير عميت، أحد قادة جهاز الموساد السابقين، أن الفضل الأساسي للجاسوس إيلي كوهين كان تمكينه إسرائيل خلال السنوات التي سبقت حرب67، من وضع يدها على النبض السياسي العسكري في سوريا.

ولد إيلي ياهو كوهين في ديسمبر/كانون الأول عام 1924 في مصر في عائلة يهودية تعود أصولها إلى حلب شمال سوريا. اهتم منذ صباه بالثقافة الدينية ومارس النشاط الصهيوني في مصر وهو ما تسبب بطرده من جامعة القاهرة في 1949. في نفس العام هاجرت عائلته إلى إسرائيل وبقي هو في مصر. ولكن بعد توقيفه عدة مرات وزيارته سرا لإسرائيل في صيف 1955، قامت السلطات المصرية بطرده من البلاد عام 1956.

شعار-جهاز-الموساد-الاسرائيلي

في إسرائيل رفض الموساد توظيفه ما دفعه للعمل بصفة محاسب تجاري. وفي صيف 1959 تزوج من اليهودية العراقية ناديه، وفي عام 1960 جند للعمل في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وخضع لدورة تدريب مكثفة أثار خلالها إعجاب مدربيه بمستوى ذكائه وسعة اطلاعه ومعرفته للغة العربية، ولكن الأهم من ذلك قدرته على تقمص أي دور بسرعة البرق.

وبعد التخرج نقل من الاستخبارات العسكرية إلى “الموساد”، وفي بداية الستينات من القرن الماضي توجه كوهين إلى أوروبا حيث انتحل شخصية رجل أعمال سوري اسمه كمال أمين ثابت زعم أنه أحد هؤلاء المهاجرين السوريين المسلمين الذين تحسنت أحوالهم في المهجر، ولديهم رغبة عارمة في العودة إلى أرض الوطن، وتقول حكايته التي صاغها الموساد إنه “هاجر مع عائلته إلى الإسكندرية ثم سافر عمه إلى الأرجنتين عام 1946 حيث لحق به كامل وعائلته عام 1947 وفي عام 1952 توفي والده في الأرجنتين بسكتة قلبية كما توفيت والدته بعد ستة أشهر وبقي كامل وحده هناك يعمل في تجارة الأقمشة “.

وفي فبراير/شباط عام 1961 توجه إلى عاصمة الأرجنتين حيث توجد جالية سورية كبيرة. وخلال شهرين تعرف على الشخصيات البارزة في الجالية السورية وفي السفارة السورية في الأرجنتين بما في ذلك الملحق العسكري السوري أمين الحافظ الذي عاد في صيف نفس العام إلى دمشق.

وفي بداية عام 1962 وصل كوهين دمشق واستأجر شقة فاخرة في حي أبو رمانة الراقي في العاصمة السورية، وكانت شقته تقع في حي السفارات وتطل على مبنى الأركان العامة وقريبة من قيادة القوى الجوية والقصر الرئاسي، وفي دمشق أقام كوهين علاقة صداقة وطيدة مع كبار المسؤولين في حزب البعث  والحكومة السورية واستخدم الجاسوس الإسرائيلي المال والنساء لتعزيز علاقاته.

ومن بين أصدقائه المقربين يمكن ذكر عبد الكريم زهر الدين ( من أقارب رئيس هيئة الأركان) وجورج سيف مدير الإذاعة الحكومية والعقيد سليم حاطوم قائد قوات المغاوير في الجيش السوري وغيرهم، وسرعان ما سطع نجم المليونير السخي الشاب من الأرجنتين المتحمس وطنيا لبلاده سوريا الذي يملك صداقات وطيدة مع كبار المسؤولين في الدولة والجيش.

وفي عام 1963 ونتيجة انقلاب عسكري دوري وصل حزب البعث إلى السلطة واستلم أمين الحافظ قيادة الدولة.

طبعا تحكى حكايات بل وأساطير عن مستوى العلاقة بين كوهين والزعيم السوري حينذاك وتؤكد مصادر الموساد أن الجاسوس قدم الهدايا السخية لأمين الحافظ وعائلته، وسمحت علاقات كوهين الوطيدة والمتشعبة بالحصول على معلومات سرية وخطيرة من المصادر السورية العليا.

لا توجد معلومات موثوقة حول استلام كوهين لأي مناصب رسمية سورية وتزعم المصادر الإسرائيلية بأنه حصل على رتبة عقيد في “إدارة الأمن العام” ولكن لا يوجد أي دليل يثبت ذلك.

وتنسب المصادر الإسرائيلية إلى كوهين الدور الكبير في الكشف عن أحد الضباط النازيين المسؤولين عن ملاحقة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية وتقول إن الضابط المذكور واسمه الويس برونر لجأ إلى دمشق وعاش فيها حتى وفاته بشكل عادي عن عمر ناهز 84 عاما رغم محاولات الموساد المتعددة لاغتياله عن طريق طرود بريدية ملغومة.

وخلال فترة حكم أمين الحافظ انتشرت إشاعات في دمشق حول احتمال استلام  كامل أمين ثابت منصب وزير الإعلام أو منصبا كبيرا في قيادة حزب البعث. وخلال وجوده في دمشق زار كوهين هضبة الجولان وكان يقدم المعلومات العسكرية الثمينة جدا للموساد حول القوات السورية الموجودة هناك وعن الأسلحة التي تملكها بما في ذلك دبابات “تي-54” ومقاتلات “ميغ-21”.  وخلال عمله في سوريا زار كوهين الدولة العبرية سرا 3 مرات في الفترة من 1962 إلى نهاية 1964.

كان كوهين يستخدم جهاز إرسال لاسلكي خاص لإرسال المعلومات إلى إسرائيل ويتلقى أوامر القيادة عن طريق الراديو العادي، مرة واحدة في الأسبوع كانت إذاعة إسرائيل تبث بالعربية برنامج ما يطلبه الجمهور وهو يتضمن التعليمات المشفرة للجاسوس المذكور.

ولا تزال غير واضحة وغير دقيقة المعلومات حول اعتقال كوهين، المصادر الإسرائيلية تقول إن السفارة الهندية في دمشق التي يقع مقرها بالقرب من البناية التي عاش فيها كوهين، اشتكت للسلطات السورية من وجود تشويش على جلسات اتصالاتها مع الهند.

وأثار ذلك الشكوك لدى السوريين الذين استعانوا بالسوفييت. وتمكن الخبراء السوفييت بواسطة معدات خاصة من تحديد مكان البث اللاسلكي غير المشروع وكان من شقة كوهين، ويقال إن كوهين علم بالشكوى الهندية ولكنه لم يعرها الاهتمام لغروره وثقته الزائدة بالنفس، وفي الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم الـ18 من يناير/كانون الثاني عام 1965 قام رجال المكتب الثاني في الأركان السورية بقيادة العقيد أحمد سويداني باعتقال كوهين الذي اعترف بأنه جاسوس لإسرائيل.

هناك رواية ثانية حول اعتقال كوهين يعود الفضل فيها إلى المخابرات المصرية، وتنقل بعض وسائل الإعلام العربية الرواية على لسان رفعت الجمال (رأفت الهجان) الجاسوس المصري الشهير بنفسه يقول: شاهدته مره في سهرة عائلية حضرها مسؤولون في الموساد وعرفوني به على أنه رجل أعمال إسرائيلي في أمريكا ويغدق على إسرائيل بالتبرعات المالية .. ولم يكن هناك أي مجال للشك في الصديق اليهودي الغني، وكنت على علاقة صداقة مع طبيبة شابة من أصل مغربي اسمها (ليلى) وفي زيارة لها في منزلها شاهدت صورة صديقنا اليهودي الغني مع امرأة جميلة وطفلين فسألتها من هذا؟ قالت إنه إيلي كوهين زوج شقيقتي ناديا وهو باحث في وزارة الدفاع وموفد للعمل في بعض السفارات الإسرائيلية في الخارج، .. لم تغب المعلومة عن ذهني كما أنها لم تكن على قدر كبير من الأهمية العاجلة، وفي أكتوبر عام 1964 كنت في رحلة عمل للاتفاق على أفواج سياحية في روما وفق تعليمات المخابرات المصرية وفي الشركة السياحية وجدت بعض المجلات والصحف ووقعت عيناي على صورة إيلي كوهين فقرأت المكتوب أسفل الصورة، (الفريق أول علي عامر والوفد المرافق له بصحبة القادة العسكريين في سوريا والعضو القيادي لحزب البعث العربي الاشتراكي كامل أمين ثابت) وكان كامل هذا هو إيلي كوهين الذي سهرت معه في إسرائيل وتجمعت الخيوط في عقلي فحصلت على نسخة من هذه الجريدة اللبنانية من محل بيع الصحف في الفندق وفي المساء التقيت مع (قلب الأسد) محمد نسيم رجل المهام الصعبة في المخابرات المصرية وأخبرته بالموضوع وقلت: كامل أمين ثابت أحد قيادات حزب البعث السوري هو إيلي كوهين الإسرائيلي مزروع في سوريا وأخشى أن يتولى هناك منصبا كبيرا.

وعقب هذا اللقاء طار رجال المخابرات المصرية شرقا وغربا للتأكد من المعلومة وفي مكتب مدير المخابرات في ذلك الوقت السيد صلاح نصر تجمعت الحقائق وقابل مدير المخابرات الرئيس جمال عبد الناصر ثم طار في نفس الليلة بطائرة خاصة إلى دمشق حاملا ملفا ضخما وخاصا إلى الرئيس السوري أمين حافظ الذي سلم الموضوع إلى العقيد سويداني.

من نافل القول إن أي جاسوس ينتظر دائما الفشل والكشف عنه ولذلك يحمل معه حبة سموم لينتحر بها قبل القبض عليه. وتقول المصادر الإسرائيلية إن كوهين كان يحمل مثل هذه الحبة. ولكنه لم يستخدمها. ويقال إن كوهين برر ذلك لدى اعترافه أمام الحاخام قبيل الإعدام، أنه لم يرغب بالانتقال الى العالم الاخر وهو يحمل اسما مزيفا.

ويقال إن كوهين قال للمحققين إن اسمه كمال أمين ثابت وإنه مسلم ولكنه بعد فترة قصيرة اعترف وجاء ذلك في محضر التحقيق الرسمي على الشكل التالي:” أنا إسرائيلي، الرائد  إيلي كوهين. وهذا رقمي العسكري، أخدم في الاستخبارات وأطالب بمحاكمتي وفقا لاتفاقية جنيف”.

وخلال التحقيق مع كوهين، بحثت إسرائيل عن طريقة لتخليصه من أيدي السوريين الذي شعروا بالإهانة وسادتهم الرغبة العارمة بالانتقام. ونظرت إسرائيل في احتمال تنفيذ عملية عسكرية وطلبت المساعدة والتدخل من زعماء سياسيين ودينيين من مختلف دول العالم ولكن بدون فائدة. وعرضت إسرائيل على السلطات السورية مبادلته بعسكريين سوريين من القابعين في السجون الإسرائيلية ولكن بدون نتيجة وعرضت الولايات المتحدة ودول أخرى تعويضات مالية ضخمة ولكن السوريين رفضوا ذلك. وفي المحصلة قررت المحكمة العسكرية السورية الحكم عليه بالإعدام شنقا.

وفي الساعة الثانية ليلا من يوم الـ18 من مايو/أيار 1965 نقل كوهين من سجن المزة إلى ساحة المرجة وسط دمشق حيث تنفذ عادة الإعدامات العلنية وكانت الساحة مكتظة بالمواطنين والصحفيين ورجال الشرطة والأمن والعسكريين، ونقل التلفزيون السوري الرسمي إعدام الجاسوس الإسرائيلي .

وحاولت إسرائيل بطرق مختلفة بما في ذلك العمليات العسكرية الخاصة، الحصول على جثة كوهين ولكنها فشلت.

سيريان تلغراف | RT

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock