مقالات وآراء

اختراق أمني كبير وراء تفجيرات جبلة وطرطوس .. و”التحقيقات ما زالت مستمرة”

أرخت التفجيرات الانتحارية، التي ضربت الساحل السوري، بوطأتها على السوريين الذين توجسوا من تفجيرات أخرى محتملة في مناطق، كانت قبل الاستهداف الأخير مناطق محصنة وعصية على الاختراق

الكل هنا بات يعتقد أنه قد يكون الهدف التالي، في ظل تزعزع الثقة بفعالية الإجراءات الأمنية. وهو ما تُعبر عنه صفحات التواصل الاجتماعي، التي حمّلت اللجان الأمنية للمدن المستهدفة مسؤولية التقاعس عن حماية مدن، تستنزف شبابها الحرب المستعرة منذ خمس سنوات، فيما يدفع أهاليهم من المدنيين حصتهم من الموت أيضاً. وهو ما دفع مثلاً أهالي حي الزهراء في حمص إلى الاعتصام أكثر من مرة مطالبين بإقالة اللجنة الأمنية لمدينة حمص، وإقالة المسؤولين عنها، متهمين إياهم بالتقصير والفساد بعد توالي التفجيرات في الحي من دون أن تتمكن الجهات الأمنية من وضع حدّ لها .

تفجيرات-جبلة-وطرطوس

اختراق أمني كبير

في التفجيرات الأخيرة التي ضربت مدينتي جبلة وطرطوس الساحليتين، جرى الحديث عن اختراق أمني كبير كان وراء التفجيرات؛ لكن الجهات الأمنية لم تؤكد ذلك، وامتنعت عن التعليق على كيفية حدوث التفجيرات، معللةً ذلك بأن “التحقيقات ما زالت جارية للكشف عن الظروف التي رافقت الهجوم”.

هذه العبارة تتكرر بعد كل هجوم؛ حتى باتت محل تندُّر بين السوريين لثقتهم بأن الفرصة لن تتاح لهم لمتابعة نتائج هذه التحقيقات!

والمعلومات، التي توافرت حتى الآن، تشير مبدئياً إلى تكرار نفس السيناريو في تفجيرات جبلة وطرطوس؛ وكذلك في معظم التفجيرات التي استهدفت الأحياء الواقعة تحت سلطة الدولة السورية. وهو دخول الانتحاريين عبر الحواجز النظامية بهويات وبطاقات أمنية وعسكرية، أو بقيام المنفّذين باستخدام سيارات حكومية أو سيارات لمنظمات إنسانية تمت سرقتها سابقاً؛ ما يظهر ضعف المتابعة، حيث يُفترض في حالات مماثلة تتبّع لوحات أرقام هذه السيارات، وتعميمها على الحواجز وعلى دوريات شرطة الطرق العامة بين المحافظات.

فبحسب شهود عيان في مدينة جبلة، كانت السيارات المستخدمة في التفجيرات جميعها “مفيّمة” (أي ذات زجاج مظلل)؛ بحيث يتعذّر رؤية من بداخلها، وهي ظاهرة انتشرت بشكل كبير خلال الحرب .

وما يؤكد هذه النظرية، هو الإجراءات التي تم اتخاذها عقب التفجيرات مباشرة. فقد بدأت الجهات المختصة بمخالفة عناصر نظاميين يقودون سيارات من دون لوحات أرقام وإلزامهم بإزالة “التفييم”.

كما خالف عناصر الحواجز، خلال الأسبوعين الماضيين، عشرات سائقي السيارات الذين يتبعون للمؤسسات الأمنية واللجان الشعبية والدفاع الوطني بسبب قيادتهم السيارات من دون لوحات تعريفية، ومرورهم غالباً على الحواجز من دون تفتيش.

وتم إجبار سائقي السيارات “المفيّمة” على إزالة طبقة التظليل عن زجاجها، بعدما كانت تتنقل بحرية في الشوارع العادية والسريعة قبل تفجيرات طرطوس وجبلة.

وقالت مصادر في المدينتين إن الجيش نصب مؤخراً حواجز جديدة على مداخل المدينتين ومفارق الطرق الرئيسية ومداخل أحيائهما، وراحت تفتش المارة والسيارات بشكل دقيق.

كما صدر تعميم بالتشديد على كل الحواجز بمنع مرور أي مدني على المسرب الخاص بالعسكريين، والتدقيق في البطاقات المخصصة للمهمات الأمنية وعائديتها؛ وكذلك مصادرة بطاقة كل من يدخل عبر الخط العسكري، بمن فيهم الصحافيون وموظفو المنظمات الإنسانية، الذين يتم السماح لهم عادةً بالمرور في المسارب المخصصة للعسكريين، باعتبارها أقل ازدحاماً.

لكن هذه الإجراءات لا تبدو كافيةً بالنسبة إلى المواطنين؛ لأنها عادةً ما تعقب كل تفجير، ولا تستمر على نفس الزخم؛ إذ سرعان ما تعود الإجراءات الروتينية إلى حالتها ما قبل التفجير!

ولكن، أين هي الأجهزة الحديثة للكشف عن التفجيرات؟

سؤال يتردد على ألسنة السوريين وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي مع كل تفجير جديد مغلفاً بالانتقادات والاتهامات. ويسأل السوريون أيضاً: لماذا لا يتم استخدام الكلاب المدربة على كشف المتفجرات على نطاق واسع؟ أسئلة لم تجد أجوبة شافية عليها.

الخبير العسكري والاستراتيجي السوري حسن الحسن يرى أن ما تواجهه الدولة السورية ليس إرهاباً عادياً، بل هو أعلى أشكال الإرهاب، وأكثرها تنظيماً وتسليحاً وتمويلاً وتدريباً وإشرافاً.

ويسأل الخبير العسكري السوري: “ما الذي تستطيع أي أجهزة أمنية أو حواجز ثابتة أو متنقلة فعله، إذا كان المكلف بالتفجير انتحارياً ومستعجلاً لملاقاة 70 حورية تحت تأثير الغريزة البهيمية؟”

وأكد الخبير أنه لا يمكن لأي دولة في العالم أن تدّعي أنها محصنة ضد الإرهاب بالمطلق، و”إلا كيف يمكن تفسير أحداث 11 أيلول وتفجيرات مترو الأنفاق في موسكو” وغيرها من المناطق الأكثر أمنا في بريطانيا وأوروبا؟

ويضرب الحسن مثالاً بالقول: “في بريطانيا زُرع نحو 5,5 مليون كاميرا في شوارع بريطانيا منذ عام 2001 – أي كاميرا واحدة لكل 14 شخص، ومع ذلك حدثت تفجيرات لندن”.

وانتقد ما أسماه “نفاق الغرب الأطلسي”، الذي يتباكى على حرية الشعب السوري، وفي الوقت نفسه يفرض الحصار، الذي حرم الدولة السورية من استيراد أجهزة حديثة عالية الدقة والكفاءة.

ولكن الخبير العسكري السوري نوّه، في المقابل، بحجم العمل الذي تقوم به الجهات المختصة. فـ”الدولة السورية لم تقف مكتوفة الأيدي”، حيث يؤكد حسن أن “مقابل كل سيارة تم تفجيرها تم القبض على أكثر من 10 سيارات ومنعها من الانفجار وهذا جهد يحسب للدولة”.

وأكد الخبير القريب من دوائر صنع القرار الأمني أن التعامل يتم مع الأمر اليوم بزرع عيون ضمن التجمعات، التي يُشك بأمرها، ليتم استباق العمليات وإحباطها، كما يتم إقامة الحواجز “الطيارة” أو المتنقلة.

الحسن اعتبر أن طول أمد الحرب، وتداخل المكونات الإرهابية، وانتشارها قد يسهّل على هؤلاء الوصول إلى أهدافهم في ظل الضغط الاقتصادي، الذي أفرزته الحرب على حياة الجميع والذي قد يدفع بعض ضعاف النفوس إلى التعامل معهم وتسهيل مهماتهم؛ محذّراً من  محاولات الإرهابيين تفادي أية إجراءات أو تدابير ومحاولة الالتفاف عليها بأساليب جديدة. لكنه يؤمن بقاعدة ذهبية تقول إن “المواطن خفير”، للحدّ قدر الإمكان من محاولات الاختراق.

سيريان تلغراف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock