فن وفنانين

الدراما السورية 2016 .. الكمّ على حساب “الروح” !

للعام الخامس على التوالي يتراجع اهتمام السوريين بما تعرضه شاشاتهم الوطنية والفضائيات العربية من الأعمال الدرامية التي ارتبطت بشهر الصوم كأحد طقوسه الأساسية.

فالحرب ويومياتها وتداعياتها السياسية والإنسانية والاقتصادية استحوذت على اهتمامات الناس ، وخطفت تلك المتعة المرتبطة بطقوس الشهر الفضيل وعلى رأسها دراما رمضان.

ضبو-الشناتي

ورغم ازدياد عدد الأعمال الدرامية السورية المنتجة خلال الموسم الحالي 2016 عن السنوات الخمس السابقة إلى 30 عملاً، فإن هذا الارتفاع لا يمثل مؤشراً على ازدهار سوق الدراما السورية.

تعددت الأسباب والنتيجة واحدة:

لأن الدراما الحقيقية تحدث يومياً ومنذ أكثر من خمس سنوات في شتى بقاع سوريا وبدون أي عمليات مونتاج أو حذف أو مكساج .. وبواقعية يعجز أي عمل درامي عن مجاراتها، لم يعد السوريون كما في السابق يجدون في الوجبات الدرامية الرمضانية ما يشبع فضولهم ، وربما هي ظروف الحياة القاسية التي تجبر معظم السوريين على العمل معظم النهار وبعض الليل في محاولة للهروب من تحت خط الفقر الذي تحول إلى ما يشبه الصخرة الجاثمة على صدور الناس في ظل تردّي مستمر للوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد.

ولا يُستثنى من ذلك الإنقطاع الطويل للكهرباء التي تحولت إلى ضيف خفيف الظل ، بالكاد يدخل على البيوت ليغادرها قبل أن يكمل الناس مسلسلاً ما، وخاصةً مع ارتفاع درجات الحرارة إلى ما فوق الأربعين درجة ما يعني “زيادة في ساعات التقنين بسبب زيادة الاستهلاك”.

إذاً ، تعددت الأسباب والنتيجة واحدة : تراجع اهتمام السوريين بالأعمال الدرامية السورية في شهر رمضان ، فالمسلسلات التي كانت حديث الناس في جلساتهم وفي أعمالهم لم تعد شغلهم الشاغل اليوم ، لصالح اهتمامات أخرى تتعلق بحياتهم المعيشية وأخبار الحرب التي دخلت عامها السادس فتفوقت أخبارها على كل ما عداها.

الناقد الدرامي ماهر منصور يقرأ من جانبه أسباباً أخرى لتراجع اهتمام السوريين بدراماهم ، يقول : طرأ خلال السنوات الأخيرة تغيرات دراماتيكية على سيكولوجية المشاهدة عند المتفرج السوري، ازدادت بسببها الهوة بين هذه الأخير وبين إنتاجات الدراما السورية من دون أن يحدث قطيعة تامة بينهما.

مضيفاً :”كانت الدراما السورية قد بدأت تفتقد كثيراً من خصوصيتها المحلية، ولم تعد مخلصة كما كانت لواقعها، تلتقط منه الحار واليومي المعيش، وإنما راحت مدفوعة برغبة استثمار عوامل نجاح المسلسل التركي في سوق العرض الفضائي بإنتاج مجموعة مسلسلات استحوذت على ما اعتقده صناعها أنه سر جاذبية المسلسل التركي، فكانت النتيجة مجموعة مسلسلات ليس فقط لا تشبه مجتمعاتها وإنما ألغت هذه الأخيرة لصالح فكرة تسويقية، وترافقت هذه المسلسلات مع ظهور جملة مسلسلات نفذت بكلف انتاجية بسيطة وبأيد تفتقد الخبرة والموهبة، لتشكل بنمطها الهجين عن الدراما السورية الأم جزءاً كبيراً من كم الإنتاج الدرامي السوري، إلى حد بات السؤال الأكثر تكراراً هو: هل الدراما السورية سورية بالفعل…؟ وكان بالطبيعي ألا ينساق المشاهد السوري خلف مسلسلات لا تشبهه، لذلك كنا نراه يبتعد عنها، ويسارع للاحتفاء بكل مسلسل يحتفي بروح الدراما السورية”.

جولة على دراما 2016

إذا ما تجوّلنا قليلاً على الأعمال المقدمة لموسم 2016 فإننا لن نجد بينها ما يلامس وجع وهموم السوريين إلا في عدد قليل جداً منها.

فمن بين ثلاثين عملاً نجد أن مسلسلات بعدد أصابع اليد هي التي تحافظ على الهوية والروح السورية. “الندم” و”دومينو” و”نبتدي منين الحكاية” نماذج عن أعمال حافظت على هذه الروح وحظيت بالمتابعة وإن بنسب متفاوتة.

اللافت في هذا الموسم الدرامي، تراجع في عدد أعمال البيئة الشامية إلى خمس مسلسلات من أصل ثلاثين عملاً، إلا أن القصة والسيناريو والحوار والمعالجات الفنية جاءت مكررة، إلى درجة قد يصعب معها إيجاد فوارق مفصلية بين المواضيع والقضايا المثارة، وبالفعل بدأ بعضها يترنح جماهيرياً منذ عرض حلقاته الأول، ومنها مسلسل “باب الحارة” في جزئه الثامن

الخسارة الأكبر لرصيد الدراما السورية، كانت في غياب الأعمال التاريخية الكبيرة، نظراً للتكاليف الإنتاجية الكبيرة، والظروف التي تمر بها سوريا، والاستقطاب السياسي الحاد بين قطاع من العاملين في الوسط الفني، ومصاعب التسويق التي تعاني منها سوق الدراما العربية، والتي لا تنفصل عن المواقف السياسية إزاء الأزمات العربية.

الناقد منصور يركز على موضوع الاستقطاب السياسي كسبب في أزمة الدراما السورية فيقول:

“إن السنوات الخمس الأخيرة أحدثت شرخاً بين مشاهدي التلفزيون شبيه بالشرخ الحاصل في المجتمع السوري بين مؤيد ومعارض وحيادي، وهؤلاء أرادوا للدراما أن تشبه أمزجتهم وأهواءهم السياسية، فيما حاولت الدراما السورية بداية أن تقدم خطاباً جامعاً تبين لاحقاً انه لم يجمع أحداً، فتراجع جزء منها واتجه الى جمهور بعينه، وأدار ظهره للبقية، ومن الإنتاجات من أصرت على خطابها الجامع، الذي قوبل هذه المرة بهجوم من الأطراف المتنازعة…ومجدداً حدث الشرخ بين الجمهو والدراما”.

حنين إلى أيام العزّ:

في أواسط التسعينيات، حققت الدراما السورية صعودها القوي وفورتها الإنتاجية الكبرى ، وسيطرت الأعمال الدرامية السورية على الشاشات العربية من المحيط إلى الخليج، وأصبحت صناعة الدراما من أهم الصناعات السورية.

تابع المشاهد العربي خلال عقدين من الزمن روائع الدراما السورية بدءاً من “نهاية رجل شجاع” إلى “أخوة التراب” مروراً بالملحمة الدرامية “التغريبة الفلسطينية” وعشرات الأعمال التي تلامس هموم السوريين والعرب وتخاطب عقولهم باحترام وواقعية وجرأة.

اليوم ، ورغم عودة الزخم إلى الدراما السورية – على الأقل كمّاً – فإن المطلوب لعودتها إلى جماهيرها هو ملامستها للجانب الحار من الواقع السوري وقدرتها على تجاوز الألغام في معالجته ورمزيتها العالية وجماليات مقولاتها، وتكامل معادلة صناعتها بين الكتابة والإخراج والتمثيل والإنتاج.

باختصار – يقول منصور – مطلوب من الدراما السورية أن تعود إلى ما كانت عليه حتى يعود الناس إليها.

سيريان تلغراف | علي حسون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock