مقالات وآراء

الحوار الوطني دعوة للحوار أم للاستحمار ؟؟ .. بقلم بلال فوراني

تذكرت مقولة الساخر جلال عامر رحمه الله عليه حين قال : نحن شعوب ديمقراطية يبدأ حوارنا  بتبادل الاراء وينتهي بتبادل الشتائم .

والحوار في بلدنا مثل مطرقة حديدية تضرب بها المعارضة كي تسقط ورقة التوت عن الشعب و تبدأ رحلة العريّ والخلاعة التي ستفضح المصالح المختباة من تحت الطاولة متناسية ان في بلدنا ما زالت هناك دماء تلطخ يدي من يريد ان يحاور , ما زال هناك شهداء عالقين في أنياب الذين يريدون الحوار , ما زالت هناك عائلات منكوبة ومشردة على هامش الحوار, ما زال هناك طفل يبحث عن حقيقة موت أبيه بين قنوات الاعلام , ما زالت هناك امرأة تنتظر عودة ابنها المخطوف وما زال هناك وطنّ ينزف من خنجرٍ يتساومون على نزعه من ظهر شعبه بكلمة مستهلكة ومعفنة وطالها الصدئ اسمها دعوة الى الحوار .

الحوار في الوطن مثل جوقة موسيقية كل عازف فيها يظنّ أنه مايسترو
الحوار في الوطن مثل عاهرة اجتمع عليها الرجال بالشهوة وتفرقوا عنها عند دفع الاجرة
الحوار في الوطن عجوز متصابية تحلم بأن يعيد لها العطار ما شوهه الزمن
الحوار في الوطن طفل أنبوب اوجدوه بعدما عجزت الارحام أن تحمل الصدق
الحوار في الوطن كذبة نيسان نحتفل بها كل سنة تتويجاً للصدق طوال السنة
الحوار في الوطن علبة سردين انتهت صلاحيتها  ولكنها ما زالت محافظة على رونقها
الحوار في الوطن تهمّ جاهزة وتخوين معلب سلفاً وقذف عشوائي للخيانة والعمالة
الحوار في الوطن مثل حفلةٍ زفافٍ العروسُ فيه خرساء والعريسُ فيه أطرش

ما زلنا نسمع منذ سنتين مروا عن لغة الحوار والدعوة الى الحوار وعن “العزيمة” على غداء حوار وعن افتتاح مجزرة على شرف الحوار وعن نعي شهيد على ذمة الحوار وعن تفجير بيت أو مركز أمني ابتهاجاً  بالحوار وعن اختطاف الابرياء كسبايا للحوار وعن انتفاض مجلس الامن اكراماً للحوار . كل هذا حدث في سنتين ولم نتحاور بعد فماذا سيحدث لا سمح الله لو حدث هذا الحوار ؟ كل هذا الدمار والقتل والتهويل ولم يجتمعوا على طاولة حوار , فماذا سيحدث لا قدر الله لو أنهم اجتمعوا على طاولة حوار؟ كل هذا حدث والناس ما زالت تضحك من استغفالها لأنها تظنّ أن من يدعو للحوار ذكيا جدا وعبقريا وربما فلتة من فلتات زمانه , وكأن البشر قد أعمى الله بصيرتهم او ربما قناتي الجزيرة والعربية قد قامتا عنه بهذا الدور مسبقا . سنتان وكميات الدم المسكوب في مجاري الارض أكبر من حجم الماء المحجوز وراء سد الفرات , سنتان مات على تراب أرضنا خلالهما من الشهداء أكثر ممن ماتوا في معركة تشرين , سنتان جفتّ فيهما ياء النداء في حناجرنا ويبستّ معها عروق رقابنا و نحن ندعوا إلى الحوار والطرف الاخر اذن من طين واذن من عجين , سنتان ونحن على هذا المنوال بين فرّ وكرّ وضحك على اللحى ولا أحد يدفع ثمن فاتورة هذا النفاق السياسي غير الشعب المسكين .

الدعوة الى الحوار برنامج هزلي سخيف ورخيص , تبثها قناة منحطة قد تبيعك الوهم في قوارير معلبة سلفاً وقد تخدركّ بحقنة شرجية لا تفيق بعدها وقد يتم التلاعب بك كما تم التلاعب بمشاعرك وبأفكارك وعقلك مسبقاً مثل ما حدث في العراق وما حدث في ليبيا , وقد يتم تسديد كل ديونك على الهواء هكذا بسهولة , وقد يضاجعون احلامك دون أن تعترض ودون أن يكون لك رأي في الأمر , وقد يغسلون كل أفكارك التي قرأتها يوما عن الثورات بمبيضّ بشري اسمه المفكر عزمي بشارة , وقد يعالجون كل أمراضك المزمنة عن الحرية والعدالة بآية من القرآن أو فتوى يتقيأ بها القرضاوي , وقد يخططون لك مستقبلك حتى تشعر بعدها بأنك صرت أشبه بالحمار الوحشي .

كل شيء صار مفروضاً عليك , وصرت أيها المسكين مثل أحدب نوتردام تحمل الهمّ على ظهرك ولا يوجد أجراس كي تقرعها , فلقد فرضوا عليك الربيع العربي, ثم فرضوا عليك ما أنجبه الربيع العربي من  ايديولوجيا الثورات , ثم فرضوا عليك دفع الرسوم الجمركية لهذه الثورات , ثم فرضوا عليك تحملّ نتائج هذه الثورات , ثم فرضوا عليك الموت طوعا أو كرهاً فداءً لهذه الثورات وفي ختام هذا الافعوان البهلواني الذي شقلب حياتنا رأس على عقب ندعوا إلى الحوار على طاولة من الهدوء والمحبة والتسامح .  لكن لم يخبرنا أحد من كلا الطرفين من سيدفع فاتورة الحوار هذه المرة ؟ ومن سيفرض على الثاني شروطه ؟ ومن سيقبل من الاخر انبطاحه ؟ ومن سيعلن أنه المسؤول عن تخريب البلد وعن جعل دماء الشهداء مثل كوكتيلات الفواكه يتاجر بها كائن من كان على موائد القصابين والجزارين؟ ومن في ختام الحوار على هذه الطاولة سينظف بقايا الحوار من بعد انتهائهم من هذا الحوار؟

الحوار لا يحتاج الى جعجعة ’ لان الجعجعة مادة استهلاكية تباع وتشترى في اسواق النخاسة الصوتية وقد لمسناها في تسمية أيام الجُمعات وخميس البدع وثلاثاء من خسر ومن انتفع. الحوار لا يحتاج الى براكين اعلامية تُذيب الثلج العالق في قلوبنا , الحوار لا يحتاج الى داعية يبيع ويشتري في دين الله كي يظفرّ بالرضى البشري , الحوار لا يحتاج الى أنياب وأظافر وكفن أبيض في ختام الجلسة , الحوار لا يحتاج الى قصص الرعب الليلية التي كانوا يسردونها على مسامعنا كي ننام فآخر ما يحتاجه الحوارالان هو التبول في عقولنا . الحوار لا يحتاج الى حرية لأن الحوار هو في أصل الامر حرية وأي شخص لديه شكّ بهذا الامر عليه مراجعة أقرب فرع أمن كي يتعلم معنى الحوار , الحوار لا يحتاج الى خطوط حمراء ولا صفراء ولا كل ألوان قوس القزح لأنه في أصل الامر لا يتلون وغير قابل على الامتزاج , الحوار لا يحتاج الى ملصقات اعلانية ولا تهليلات هرطقية ما دام يوجد جمهور ابله و جاهز كي يصفق على أي شيء في الحوار بمجردة اشارة من معدّ البرنامج , الحوار يا سادة بكل بساطة يحتاج الى حوار قبل أن يحوروه ويصير استحمار .

حين تأتي ساعة الحوار , جهزّ نفسك وحصن روحك بالمعوذات , و لاتنسى أن تكتب وصيتك الاخيرة , لأن كل من أراد الحوار كان يظنّ أنه بفعله هذا يحقن الدماء وقد نسيّ للأسف أنه لم يعد هناك دماء تحقن , وكل من سيجلس على طاولة الحوار مع قتلة ومجرمين وكما تدعوهم قنوات الاعلام السوري شريكة في سفك الدم السوري , سنسأله سؤال واحد فقط وسنترك له أن يكتب لنا الاجابة على ورقة معلقة في شاهدة قبر مكتوب عليها :

هنا يرقد شهيد بعت دمه لأجل الحوار فما أنت بفاعل ؟؟

على حافة الوطن

قل لي من تحاور .. أقل لك من أنتّ …؟؟

بلال فوراني

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock